الفصل التعسفي يسلط هذا البحث الضوء على الإنهاء الغير مشروع لعقد العمل في ظل قانون العمل الاردني ، ويتبين لنا بداية إن تحقيق العدالة وإيجاد نقطة توازن بين مصالح كل من طرفي عقد العمل وصاحب العمل ، هو الهدف الذي سعت له مختلف دول العالم عندما زادت من تدخلها ، في علاقات العمل عن طريق سن تشريعات قانونية آمرة تنظم هذه العلاقات الخاصة في محاولة منها للتقليل والحد من مبدأ سلطان الارادة الذي يعطي للأفراد ، الحرية الكاملة في تنظيم العقود واختيار القانون الذي يحكمها ، وخاصة عقد العمل من حيث تكوينه وآثاره .
فقانون العمل هو مظلة وضعت لحماية العمال وحقوقهم حتى لا يتعسف أصحاب العمل وهم الطرف الأقوى باستعمال حقوقهم وقوتهم بالعمل. وفي هذه الحالة لا يكون أمام العامل إلا أن يقيم بدعوى يطالب بحقوقه من جراء فصله تعسفيا من عمله.
وبما أن العامل هو الطرف الأضعف في علاقة العمل ، وطبقة العمال هي الطبقة المستهدفة بالحماية من المشرع ، فقد حرص المشرع الأردني على سن تشريعات قانونية ، تنظم علاقات أصحاب العمل بالعمال وخاصة منها ما يتعلق بانتهاء عقد العمل ، ونظراً لأهمية إنهاء العقد غير محدد المدة بصورة تعسفية ، فقد جاء قانون العمل الأردني رقم (8) لسنة 1996م وتعديلاته بنصوص عالج فيها موضوع الفصل التعسفي .
سنركز في معرض بحثناً على الإنهاء غير المشروع لعقد العمل غير المحدد المدة والنزاعات العمالية ، دون أن نتطرق الى الإنهاء المشروع لعقد العمل ، وطرقه بتوجيه الإشعار ، الإ بالقدر الضروري والعارض الذي تقتضيه هذه الدراسة .
وسنتبع في دراستنا لهذا الموضوع المنهج الوصفي التحليلي ، حيث سنعمل الى تحليل النصوص القانونية والأحكام القضائية للتعرف على مضامينها ونحلل مضمون الآثار القانونية الناتجة عنها وفقا لكل موضوع في معرض بحثنا هذا.
وسنتناوال البحث في هذه الدراسة مفهوم الفصل التعسفي في مبحث أول وحالات الفصل التعسفي والجزاء المترتب عليه في مبحث ثان .
مفهوم الفصل التعسفي
تناول قانون العمل الأردني موضوع الفصل التعسفي في المادة (25) التي تنص على”اذا تبين للمحكمة المختصة في دعوى أقامها العامل خلال ستين يوما من تاريخ فصله أن الفصل كان تعسفيا ومخالفا لأحكام هذا القانون جاز لها اصدار أمر الى صاحب العمل بإعادة العامل الى عمله الأصلي أو بدفع تعويض له بالإضافة الى بدل اشعار واستحقاقاته الأخرى المنصوص عليها في المادتين (32) و (33) من هذا القانون ويحتسب التعويض على أساس آخر أجر تقاضاه العامل”.
نظراً لما يثيره مفهوم الفصل التعسفي من اشكاليات عن البحث عن الطرف الذي أحدثه من حيث اذا كان صادر عن صاحب العمل، بأسبابه التي حددها القانون فإنه يغدو من الضروري التعرف على مفهوم الفصل التعسفي
تعريف الفصل والتعسفي وإثباته
تنقسم عقود العمل الى عقد عمل محدد المدة ،وعقود عمل غير محددة المدة و تكمن أهمية التمييز في موضوع جواز إنهاء العقد بإلارادة منفردة ، إذ أنه في العقود غير محددة المدة يجوز إنهاء العقد بالإرادة المنفردة لأحد الطرفين ،سنداً لأحكام المادة”23/أ” من قانون العمل الأردني، شريطة اشعار الطرف الآخر خطيا برغبته في إنهاء العقد قبل شهر واحد من إنهائه .
تعريف الفصل التعسفي
إن القيود التي ترد على إنهاء عقد العمل غير محدد المدة هي عدم التعسف فيه ووجود مبرر له، والإنهاء التعسفي في العقد غير محدد المدة هو تطبيق للنظرية العامة للتعسف في استعمال الحق، فلا اختلاف بين الانهاء التعسفي والانهاء بلا مبرر من حيث المدلول، أو من حيث عبء الاثبات .
وكما قضت محكمة التمييز الاردنية في حكم لها بقولها: ” إن الفصل يكون تعسفيا اذا لم يثبت رب العمل أنه تم وفق الاجراءات المنصوص عليها بالمادة (31) من قانون العمل أو بالمادة (28) من نفس القانون ، وطالما أن كتاب الفصل المتضمن فصل المدعي لم يسند بأي بينة تثبت بأن وزارة العمل قد بلَغت أن هنالك ظروف اقتصادية أو فنية كتقليص حجم االعمل أو استبدال نظام الإنتاج ، أو التوقف عن العمل نهائياً ، تستدعي فصل عدد من العمال ، إذ الجواز الذي جاءت فيه المادة (31/أ) بإنهاء عقود العمل غير المحددة المدة توجب توفر الأسباب كلها أو بعضها وبما أنه انتفى شرط الإخبار أو الإشعار ، كما أن الفصل طال المدعي وحده ،و القانون أجاز أن يكون إنهاء العقود لكل العمال أو لبعضهم ، ولكون الفصل لم يتم بالإستناد الى أي سبب من أسباب الفصل المنصوص عليها في المادة (28)، فهو يكون فصلاً تعسفياً يستحق المميز ضَده الحكم له ببدل فصل تعسفي وفق نص المادة (25) من قانون العمل
وبالنسبة لقانون العمل الأردني لم ينص صراحة ولم يبين مدلول الفصل التعسفي أو مفهومه، ولكن نصت المادة (66/2) من قانون المدني الأردني على أنه يكون استعمال الحق غير مشروع بالحالات التالية:
أولا : إذا توفر قصد التعدي.
وذلك بأن تتجه نية الشخص من استعمال حقه من الإضرار بالغير، أي أنه قصد الإضرار بالغير من جراء استعمال حقه، فيكون بالتالي متعسفا في استعمال هذا الحق.
ثانيا : إذا كانت المصلحة المرجوة من الفعل غير مشروعة.
فإذا كانت الغاية من استعمال الحق هي تحقيق مصلحة غير مشروعة تخالف النظام العام والآداب، فإن هذا الإستعمال يكون تعسفيا.
ثالثا : إذا كانت المنفعة لا تتناسب مع ما يصيب الغير من ضرر.عندما لا يكون هناك تناسب بين مصلحة صاحب الحق ومصلحة الغير، بحيث تكون المصلحة المحققة أقل بكثير من المصلحة المهدرة للغير.
رابعا : إذا تجاوز ما جرى عليه العرف والعادة.
ومما سبق يمكن القول بأن الفصل يكون تعسفي إذا كان انهاء العقد غير محدد المدة بدون مبرر مشروع وحقيقي.
إثبات الفصل التعسفي
قضت محكمة التمييز في حكم لها بقولها: “وإن كان من يدعي حصول التعسف ملزم بإثباته من حيث الأصل إلا أن المدعى عليه صاحب العمل الذي يدعي بأن الفصل كان قانونيا ولا تعسف فيه يقع عليه عبء إثبات مشروعية الفصل وفق الأحكام القانونية، حيث أن المدعى عليها صاحبة العمل إدعت بمشروعية فصلها للمدعية العاملة فإن عبء إثبات ذلك يقع عليها .
وقضت محكمة التمييز أيضا في حكم لها بقولها : ” إثبات المميز ضده “العامل” من خلال بيناته أنه كان يقوم بعمله على الوجه المطلوب وأنه كان جيدا في عمله ولا يوجد أي عداء بينه وبين المميزه “صاحبة العمل”، وأن المميز قد أنهت عمله لديها دون سبب وعليه وحيث أن المميزة لم ترغب في تقديم أي بينة في هذه الدعوة ولم تقدم ما يثبت أن فصل المميز ضده كان لأسباب مبررة في نظرها فيكون بالتالي الفصل تعسفيا موجبا للتعويض عملا بأحكام المادة (25) من قانون العمل.
كل استعمال للحق هو استعمال مشروع ما لم يقم الدليل على عكس ذلك، فالمادة (66) عمل استثنت حالة فصل العامل بسبب نشاطه النقابي، ففي هذه الحالة بالذات يتحمل صاحب العمل عبء إثبات المبرر المشروع للإنهاء، فالمشرع استثني هذه الحالة من القواعد العامة، ولا يتعارض مع القاعدة الذي أخذ بها المشرع المصري إلزام صاحب العمل بتقديم مبررات لانهاء عقد العمل لأن الإنهاء لا يكون مشروعا إلا إذا كان مبررا أو خاليا من التعسف (بحيث إذا امتنع صاحب العمل عن تقديم أي مبرر للإنهاء عند الفصل أو أمام المحكمة، وأصر على الامتناع كان للمحكمة أن تستنتج أن إنهائه بغير مبرر، وبالتالي يكون تعسفيا)
المحامية ياسمين ابو هدبة 0777420067